"معظم" المعارضة المصرية يشارك و"بعضها" يقاطع آخر تحديث:الخميس ,14/10/2010
القاهرة - محيي الدين سعيد:
1/1
ظلت أحزاب وقوى المعارضة المصرية تلوّح قبل شهور عدة مضت بخيار مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها قبل نهاية العام الجاري، باعتبار أنها المقاطعة ورقة ضغط في يد المعارضة لدفع الحزب الوطني الحاكم إلى القبول بالضمانات التي تطالب بها من أجل إجراء انتخابات نزيهة وبعيدة عن التدخلات الإدارية، لكن أغلبية هذه القوى وفي المقدمة منها أحزاب وقوى المعارضة الرئيسية حزمت أمرها قبل أقل من الشهرين من إجراء الانتخابات وقررت خوض الانتخابات بأعداد مرشحين مختلفة لكل منها .
بقيت بعض الأحزاب وحركات الاحتجاج الشعبية متمسكة بالدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، وفي المقدمة منها “الجمعية الوطنية للتغيير” التي تشكلت على خلفية عودة الدكتور محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والمرشح المحتمل في انتخابات الرئاسة المقبلة إلى مصر، وإطلاقه حملة للمطالبة بالإصلاح السياسي الشامل، إضافة إلى ذلك هناك الحركة المصرية من أجل التغيير “كفاية”، التي لا تتوقف عند حد المطالبة بمقاطعة الانتخابات، لكنها تهاجم الأحزاب والقوى السياسية التي اتخذت قراراً بالمشاركة في الانتخابات، وتعتبر أنها تساهم بذلك في إضفاء الشرعية على النظام السياسي والحزب الوطني الحاكم، وإلى جانب جمعية التغيير و”كفاية” لا يزال حزبا الجبهة الديمقراطية و”الغد” جبهة أيمن نور، يتمسكان بمقاطعة الانتخابات ويؤكدان أنها ستكون انتخابات مزورة لمصلحة مرشحي الحزب الوطني الحاكم، في ظل غياب الضمانات اللازمة لنزاهتها وفي مقدمتها غياب الإشراف القضائي الكامل والرفض الحكومي لوجود رقابة دولية على الانتخابات، إلى جانب إسناد الرقابة المحلية إلى منظمات أهلية وحقوقية بعينها، وعرقلة إشراف كافة المنظمات الحقوقية عليها .
الأصوات المطالبة بمقاطعة الانتخابات بات واضحاً أنها تتراجع وتقتصر على أحزاب وجماعات احتجاجية محدودة، وفي المقابل رجحت كفة المشاركة في الانتخابات بإعلان أحزاب الوفد والناصري والتجمع مشاركتها في الانتخابات، فيما ظلت جماعة الإخوان المسلمين حتى مطلع الأسبوع الجاري تمارس ما دأبت عليه في مثل تلك المواقف من إعلان عدد من قياداتها خوض الانتخابات، وبدأ مرشحوها في أعمال الدعاية لأنفسهم بالفعل، وفي الوقت نفسه الإعلان عن أنها لم تتخذ قراراً نهائياً بشأن المشاركة أو المعارضة، حتى أعلنت أنها ستخوض الانتخابات وستدفع بمرشحين على 30 في المئة من مقاعد البرلمان، وهو ما دفع بعض الناقدين للجماعة ومواقفها إلى تفسير “المماطلة” في إعلان قرار الجماعة إلى انتظار صياغة اتفاق نهائي مع الحزب الوطني الحاكم بشأن أعداد المقاعد التي ستحصل عليها الجماعة في الانتخابات المرتقبة، مستندين في ذلك إلى كشف المرشد السابق للجماعة محمد مهدي عاكف في وقت سابق أنه وقيادات بالجماعة دخلوا في مفاوضات موسعة مع قيادي نافذ بالدولة بشأن أعداد مرشحي الجماعة في الانتخابات الأخيرة التي جرت بالبلاد في عام 2005 .
ورغم إعلان مرشد الجماعة محمد بديع أن المشاركة ستكون في حدود 30% من المقاعد الكلية لمجلس الشعب “البرلمان”، فإنه أشار إلى أن أعضاء وقيادات الجماعة بكل محافظة سيقومون بإعلان تفاصيل المرشحين وأعدادهم، والدوائر التي سيدخلون الانتخابات بها، وفقاً لظروفهم المحلية، وتماشياً مع قرار مجلس الشورى العام للجماعة، مشيراً إلى أنه سيتم الإعلان عن الرقم النهائي للمرشحين، بعد مرحلة الطعون، وبعد التنسيق مع الأحزاب والقوى السياسية والمستقلين .
حزب الوفد الليبرالي كان سباقاً إلى اتخاذ قرار المشاركة بعد أن حسمت جمعيته العمومية الأمر واتخذت قرار المشاركة، وقال رئيس الحزب الدكتور السيد البدوي شحاتة إن حزبه مستعد بقوة لخوض المعركة الانتخابية المقبلة وإنه سيدفع بأكثر من مئتي مرشح في 26 محافظة من بين 29 محافظة بالجمهورية، فيما اعتبر السكرتير العام للحزب منير فخري عبد النور أن المقاطعة كانت ستبعد الحزب عن الحياة السياسية لمدة خمس سنوات قادمة، مشيراً إلى أن مشاركة حزبه في الانتخابات لا تعني تخليه عن مطالبه بشأن نزاهتها، وفي مقدمة هذه المطالب تغيير النظام الانتخابي من الفردي إلى القائمة النسبية، مشيراً إلى أن وجود نواب للوفد في البرلمان من شأنه تيسير سبل تقديم خدمات للمواطنين في دوائرهم الانتخابية .
ولقي قرار حزب الوفد بالمشاركة في الانتخابات ترحيباً واسعاً من قبل قيادات الحزب الوطني الحاكم حتى إن وزير الري والموارد المائية الدكتور محمد نصر الدين علام وصف القرار بالإيجابي الذي سيساهم في دفع العملية الانتخابية، و”يسد الخانة على الجهات الأخرى غير الحزبية” في إشارة واضحة لجماعة الإخوان المسلمين والحركات الاحتجاجية، كذلك أكد وزير الشؤون البرلمانية والقانونية الدكتور مفيد شهاب أن قرار خوض الانتخابات البرلمانية هو جزء رئيسي من مهام أي حزب، وسعيه للحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد داخل البرلمان، وأنه من الطبيعي أن يقرر حزب الوفد وغيره من الأحزاب الشرعية المشاركة في العملية الانتخابية، معتبراً أن مساهمة الأحزاب الشرعية في الانتخابات من شأنها أن تعطي إيجابية أكثر للعملية الانتخابية .
الحزب الناصري وحزب التجمع أعلنا بدورهما خوض الانتخابات، وقال الناصري إنه سيدفع بنحو 55 من أعضائه وقياداته لخوض الانتخابات، بينهم 48 مرشحاً في 24 محافظة، و6 مرشحات على المقاعد المخصصة لكوتة المرأة، فيما أعلن “التجمع” أنه سيدفع ب75 مرشحاً، بينهم 38 مرشحاً على مقاعد العمال و37 مرشحاً على مقاعد الفئات وبينهم 8 أقباط و9 مرشحات على مقاعد المرأة، وذلك في الدوائر الانتخابية ب 22 محافظة، ودعا الحزب إلى مواصلة العمل السياسي الجماهيري للمطالبة بتحقيق ضمانات جدية وفاعلة في تحقيق انتخابات شفافة ومعبرة عن آراء جموع الناخبين، كما طالب الحزب كافة القوى السياسية على اختلاف اتجاهاتها بخوض معركة من أجل توفير الضمانات لنزاهة الانتخابات .
وفيما اعتبره مراقبون محاولة لتبرير تراجع الحزب عن التهديد بمقاطعة الانتخابات في حال عدم استجابة الحكومة لمطالب المعارضة بتوفير ضمانات نزاهتها أكد “التجمع” أن معركة الضمانات هي معركة مستمرة لأنها جزء من النضال الديمقراطي العام وضمان للحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للجماهير الشعبية، مشيراً إلى أنه رغم الاقتناع بأن ما تم حتى الآن من توفير ضمانات انتخابات لا يوفر الحد الأدنى اللازم من نزاهة الانتخابات، فإن هناك حاجة في المقابل لتفعيل عمل وأداء اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات لضمان نزاهة الانتخابات، وقال رئيس الحزب الدكتور رفعت السعيد إنه يدرك صعوبة خوض الانتخابات، إلا أنه ليس هناك بديل عنها واصفاً المقاطعة بأنها “لا تمثل الحل المناسب” .
ردود أفعال حادة
ولفترة من الوقت راهنت جماعات سياسية ونشطاء على إمكانية أن يقود حزب الوفد في ظل انتخاب قيادة جديدة له المعارضة المصرية نحو مزيد من الضغوط على الحزب الوطني الحاكم للقبول بضمانات نزاهة الانتخابات، ولذا جاء رد الفعل المناهض لقرار الحزب بالمشاركة في الانتخابات حاداً، حتى من قبل كثيرين من أعضاء الحزب الذين كانوا يرون ضرورة قيادة المعارضة إلى مقاطعة الانتخابات للضغط على الحزب الحاكم من أجل القبول بضمانات نزاهة عملية الاقتراع، مشيرين إلى أن اتخاذ قرار المقاطعة كان من شأنه كشف ممارسات الحزب الوطني أمام الرأي العام المحلي والدولي، فيما عبر رئيس حزب الجبهة الديمقراطية الدكتور أسامة الغزالي حرب وحليف الوفد في ائتلاف أحزاب المعارضة الرئيسية، عن إحباطه إزاء قرار الوفد بالمشاركة، واصفاً ما أقدم عليه الوفد بأنه لا يصب في مصلحة عملية التطور الديمقراطي في مصر، معتبراً أن اتخاذ حزب بحجم الوفد ومكانته قراراً بالمقاطعة كان من شأنه المساهمة بشكل فعال في إحداث ضغط حقيقي على الحكومة والحزب الوطني من أجل الحصول على ضمانات لانتخابات حقيقية ونزيهة، وأكد الغزالي أن أحزاب الائتلاف الرباعي (الوفد والتجمع والجبهة والناصري) كانت قد اتفقت في ما بينها على الضغط من أجل الحصول على ضمانات جادة لعملية انتخابية نزيهة، وأنه إذا لم يتحقق ذلك، فإنها ستسعى إلى اتخاذ موقف موحد، والخروج بقرار واحد “هو مقاطعة الانتخابات”، معتبراً أن “من سيشاركون في الانتخابات سيساهمون في إضفاء الشرعية على عملية انتخابية غير شرعية”، وأنه “كان على القوى السياسية الرئيسية وعلى رأسها الوفد والإخوان، أن تمتنع عن المشاركة في الانتخابات، إلا في حالة وجود ضمانات حقيقية” .
موقف حركة “كفاية” إزاء إعلان الأحزاب الرئيسية المشاركة في الانتخابات، كان أكثر حدة وعبر عنه المنسق العام للحركة الدكتور عبد الحليم قنديل بالتأكيد أن مشاركة أحزاب المعارضة في الانتخابات المقبلة سوف تفضحها ولن تفضح النظام الحاكم وحده، معتبراً أن قرار المشاركة يعني مساهمة المعارضة وموافقتها على ممارسات الحزب الوطني الحاكم، خاصة ما يتعلق منها بمستقبل الحكم في البلاد، أما حزب الغد فقد رأى أن دافع الأحزاب للمشاركة يرجع لحسابات ومصالح وصفها رئيس الحزب أيمن نور بالضعيفة جداً .
وكان تعليق الدكتور البرادعي هو الأكثر حدة من بين ردود الأفعال الناقدة لقرارات المشاركة المتوالية من قبل أحزاب المعارضة، حيث وصف المشاركة بأنها خيانة للإرادة الوطنية، ما دفع عضو المجلس الرئاسي بحزب التجمع حسين عبدالرازق إلى القول بأن الحملة الرافضة لمشاركة الأحزاب في الانتخابات المقبلة، قد كشفت عن افتقاد بعض القوى والشخصيات السياسية للخبرة، معتبراً أن تصور إمكانية تحقيق الأهداف الكبرى بضربة واحدة وتصور أن مقاطعة الأحزاب والقوى السياسية المؤثرة للانتخابات سيؤدي إلى أن النظام السياسي لن يبقى يوماً واحداً، سذاجة سياسية، خاصة في ظل نظام الانتخابات الفردي القائم في مصر وآلاف المرشحين المستقلين الذين سيشاركون في هذه الانتخابات .
ويرى عبدالرازق أن المشاركة أو المقاطعة هي تكتيك سياسي وليست قضية مبدئية، حتى يتم اتهام من يقرر المشاركة بالخيانة، مشيراً إلى أن أحزاب الائتلاف الأربعة: “الوفد والتجمع والناصري والوفد” قررت في مؤتمر “الإصلاح الدستوري” الذي عقدته في مارس/ آذار الماضي، خوض معركة من أجل تعديل الدستور وتوفير الضمانات الضرورية لانتخابات حرة ونزيهة ومنع التزوير، واتفقت في ما بينها على أنها إذا لم تتمكن من تفعيل قراراتها تلك خلال الشهور السابقة على الانتخابات، فالتحدي الحقيقي أمامها سيتطلب النزول للشارع وتحويل معركة انتخابات مجلس الشعب لمعركة ديمقراطية من أجل التغيير والتحول إلى الديمقراطية وإسقاط التزوير وفتح الباب أمام تداول السلطة وتبني سياسات اقتصادية واجتماعية منحازة للأغلبية وليس لشريحة طبقية مستغلة ومتوحشة .
مشاركة غير فعالة
الاهتمام بموقف قوى المعارضة المصرية لم يتوقف عند حدود الداخل المصري، لكنه امتد إلى مؤسسات بحثية أمريكية وأوروبية، وكتب الدكتور عمرو حمزاوي كبير الباحثين بمعهد كارنيجي للسلام يؤكد أن مشاركة أحزاب وقوى المعارضة المصرية في الانتخابات منذ أن سمح الرئيس السابق أنور السادات بالتعددية الحزبية المقيدة في ،1976 لم ترتب تطوراً تراكمياً حقيقياً في طبيعة المشهد السياسي المصري، الذي ما زال يتسم بهيمنة الحزب الوطني الحاكم، وسيطرته على مؤسسات الدولة، وتفضيله منطق الإدارة السلطوية والأمنية للسياسة عوضاً عن الدفع باتجاه تعددية حزبية غير مقيدة وتداول للسلطة بين الحكم والمعارضة، مشيراً إلى أنه رغم زيادة عدد الأحزاب المسجلة في مصر من ثلاثة في 1976 إلى 23 في 2010 وتوالي إجراء انتخابات تعددية للمجالس التشريعية “الشعب والشورى والمجالس المحلية” من دون انقطاع، وفتح المجال دستورياً في 2005 أمام انتخابات رئاسية بأكثر من مرشح، فإن “واقع الممارسة السياسية ينبئ بتضييق مستمر تتعرض له المعارضة وقمع مباشر لبعضها”، مضيفاً: يمكن من ناحية أخرى الجزم بموضوعية بأن الإطار القانوني والسياسي المنظم لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، لا يقدم الحد الأدنى من ضمانات النزاهة والشفافية والتنافسية وغياب التزوير، وذلك لانتفاء الإشراف القضائي الشامل على العملية الانتخابية و”التعامل التحايلي” للحزب الحاكم ولحكومته مع مسألة الرقابة الداخلية والدولية على الانتخابات ونتائجها والتدخلات الأمنية المتوقعة لمصلحة مرشحي الحزب الحاكم وضد المعارضة، ومن ثم تصبح المشاركة في انتخابات ذاك هو إطارها القانوني والسياسي، وتلك هي شروطها، بمنزلة إسهام في خديعة كبرى، يحصل من جرائها نظام الحكم من واقع مشاركة المعارضة على “صك شرعية ديمقراطية”، مشيراً إلى أن مشاركة أحزاب وقوى المعارضة في المجالس التشريعية وهي إلى اليوم تقتصر على مجلس الشعب ولم تمتد بصورة فعلية إلى مجلس الشورى ولا إلى المجالس المحلية لم تكن أبداً بالمؤثرة في حصيلة العمل التشريعي في ظل الأغلبية المريحة التي دوماً ما ضمنتها نتائج الانتخابات للحزب الوطني الحاكم وقدرته من ثم على تمرير موازنة الدولة وكل التعديلات الدستورية ومشروعات القوانين ومقترحات السياسات التي يقدمها للمجالس التشريعية من دون تعديلات حقيقية أو عناء كبير.
المدون
مصر
محمد طلعت عبد العاطى
تبارك الله خالق الورد اللى بأحبه
ورد أحبه
الأربعاء، ٢٠ أكتوبر ٢٠١٠
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)