مسألة الإصلاح مصير وطن ومسئولية شعب وليست مصير حزب أو قرار فرد
د. محمد البرادعي, لا شك في أن هناك بداية صحوة ملموسة في المجتمع المصري مؤخراً، وهذا أمر يثلج الصدر، نحو حتمية الإصلاح وضرورة بناء إطار جديد لدولة تقوم علي الديمقراطية من خلال دستور يقنن التوافق الوطني المطلوب، ويوازن بين السلطات ودورها الرقابي علي بعضها البعض بحيث لا تطغي إحداها علي الأخري، بل علي الشعب نفسه وقناعتي أن إرساء دعائم نظام ديمقراطي حقيقي بعد غياب طويل في مصر هو نقطة الانطلاق للبدء في مواجهة مشاكل مصر المتفاقمة.
والسؤال الذي يطرح نفسه بطبيعة الحال هو كيف ومن أين نبدأ في ترجمة تلك الصحوة الوطنية من مجرد تمنيات إلي واقع ملموس وبأسلوب سلمي وعقلاني ومنظم؟
في رأيي أنه يجب علينا جميعاً شعباً وقيادة أن نبدأ اليوم قبل الغد في اتخاذ ثلاث خطوات متصلة ومترابطة علي الطريق نحو الإصلاح.
الخطوة الأولي والتي لها الأولوية، نظراً لقرب موعد الانتخابات البرلمانية وما قد يترتب عليها من بداية تغيير في شكل النظام السياسي، هي اتخاذ عدد من الإجراءات البديهية لضمان نزاهة الانتخابات وشفافيتها واتساقها مع الأسس الديمقراطية، وتشمل هذه البديهيات من ضمن ما تشمل:
1- تشكيل لجنة مستقلة مكونة من شخصيات مشهود لهم بالحياد والنزاهة لتشرف، ليس فقط علي تنظيم عملية الانتخابات بل- وهو الأهم- الإجراءات اللازمة لضمان نزاهتها.
2- التصويت في الانتخابات عن طريق الرقم القومي وهو في رأيي أفضل ضمان للتأكد من صحة الجداول.
3- مشاركة المصريين المقيمين في الخارج في العملية الانتخابية عن طريق التصويت في السفارات والقنصليات المصرية الموجودة في محل إقامتهم أو التابعين لها كما هو معمول به في الدول الديمقراطية النامية منها والمتقدمة مثال: جنوب أفريقيا ونيجيريا والجزائر والمكسيك وفرنسا وكندا وغيرها. ويبلغ عدد هؤلاء المصريين ما يزيد علي سبعة ملايين «وهو عدد مساو لمن شارك في العملية الانتخابية الرئاسية في مصر عام 2005» فحرمانهم من المشاركة في تقرير حاضر وطنهم ومستقبله هو انتقاص معيب في العملية الديمقراطية والتي تستلزم أن يكون لكل مصري أياً كان موقعه أو عمله الحق في تقرير مصير وطنه.
4- حظر حق الترشح بقدر الإمكان ولحين تغيير الدستور علي من هم أعضاء في السلطة التنفيذية وأن يكون جميع ممثلي الشعب في المجال السياسي بالانتخاب وليس بالتعيين وهي بديهيات في أي نظام ديمقراطي مرتبطة بالفصل بين السلطات وحق الشعب في اختيار جميع ممثليه في المجالس النيابية.
5- توفير مساحات متكافئة في الإعلام لجميع المرشحين خاصة الإعلام الحكومي، الذي حان الوقت لتحويله إلي سلطة رابعة مستقلة كما هو الحال في جميع الديمقراطيات، وليمارس مسئولياته في متابعة أداء السلطات الثلاث الأخري بحرية ونقل هذا الأداء إلي الشعب مصدر السلطات.
6- إشراف قضائي كامل غير منقوص علي العملية الانتخابية من بدايتها وحتي نهايتها خاصة علي ضوء ما شاب الانتخابات الماضية من مآخذ وتلاعب وشبهات تزوير. وبالطبع يجب أن يتضمن هذا الإشراف القضائي أن يكون القضاء هو الفيصل وصاحب القول النهائي في أي طعون تتعلق بسلامة العملية الانتخابية وصحتها.
7- إشراف دولي من قبل المنظمات الدولية متفق عليه مسبقاً بين الحكومة وتلك المنظمات، كما هو العرف المستقر في جميع الأنظمة الديمقراطية. وفي رأيي أن مثل هذا الإشراف سيبعث برسالة واضحة إلي العالم بشفافية الانتخابات ومصداقيتها وبأن مصر بدأت مرحلة جديدة نحو الإصلاح سيكون لها أبعاد إيجابية كثيرة دولية ومحلية.
الخطوة الثانية: البدء في تعديل المواد 76، 77، 88 من الدستور والانتهاء منها قبل الانتخابات الرئاسية بعام علي الأقل، وهي المواد التي بالإضافة لإلغائها الإشراف القضائي الكامل «والذي يمكن تطبيقه مرة أخري في الانتخابات البرلمانية القادمة ولحين تعديل الدستور» وسماحها بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية لأجل غير محدود بالمخالفة لكل النظم الرئاسية الديمقراطية بدون استثناء، فإنها كذلك وبمقتضي المادة 76 قصرت حق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية علي أفراد لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة نتيجة القيود التعسفية المفروضة علي تشكيل الأحزاب والمدة الزمنية المطلوبة ليكون لهم حق ترشيح ممثليهم «خمس سنوات بعد تشكيل الحزب» بالإضافة إلي الشروط التي تجعل ترشيح المستقلين من الناحية العملية مسألة شبه مستحيلة، تلك المادة التي صيغت علي حد قول الكثيرين بمن فيهم أيضاً أعضاء في الحزب الوطني نفسه لتضمن أن يكون الرئيس القادم من هذا الحزب، وبالطبع ما لم يتم تعديل تلك المادة بحيث تضع شروطاً معقولة لضمان جدية المرشحين دون أن تغلق الباب أمام أكثر من 95% من المصريين أمام حقهم في الترشح «في فرنسا علي سبيل المثال يمكن للمواطن أن يترشح كمستقل إذا حصل علي 500 صوت من أصوات أعضاء المجالس المحلية البالغ عددهم 45000 أي حوالي 1% فقط من إجمالي عدد الأعضاء» فستكون الانتخابات المقبلة شكلاً آخر من أشكال «الاستفتاء» وسيناريو يأخذ من الديمقراطية شكلها ويسلبها من مضمونها.
الخطوة الثالثة: تشكيل لجنة من القانونيين والسياسيين وأهل الفكر لوضع مشروع دستور جديد للبلاد يتماشي مع قيم الديمقراطية الحقيقية ويتم من خلاله الاتفاق علي القيم الأساسية التي ترتكز عليها الدولة ويستظل الشعب بها والتي لن تختلف في رأيي عن جوهر القيم الإنسانية المتعارف عليها عالمياً من مساواة وعدالة وتضامن إنساني وحق كل إنسان في أن تضمن له الدولة حرية الرأي وحرية العقيدة والحرية من الخوف والحرية من الحاجة. وبالإضافة إلي تقنين تلك القيم الأساسية التي تحكم المجتمع فيجب أن يضع مشروع الدستور لبنات نظام سياسي جديد سواء برلمانيا أو رئاسيا «وسواء عن طريق الانتخاب الفردي أو عن طريق القائمة الحزبية، والأخيرة في رأيي يمكن أن تضمن تمثيل جميع فئات الشعب وطوائفه بأسلوب أكثر عدالة واتزاناً من نظام الحصص المخصصة لتلك الفئة أو الأخري» لتمكين الشعب من خلاله أن يستعيد حقوقه وحرياته وأن يشارك بجميع فئاته دون تفرقة أو تمييز في إبداء الرأي في إدارة شئون وطنه طالما أن الكل ملتزم بالقيم الأساسية التي تم الاتفاق عليها في الدستور وترك الأمر في النهاية للشعب ليقرر ما يراه.
وفي رأيي أن مشاركة الشعب والرأي العام في النقاش حول مشروع الدستور الجديد سيكون فرصة لطرح ومناقشة جميع الإشكاليات الفكرية والعقائدية الموجودة في مصر بهدف المصارحة والمصالحة الضرورية لشعب واحد يعيش في وطن واحد، دون أن نخفي رؤوسنا في الرمال الأمر الذي يؤدي إلي تفاقم تلك الإشكاليات وتعقدها ويقيني أن البدء في اتخاذ خطوات عملية نحو بناء نظام سياسي جديد هو الطريق الوحيد لإقامة مجتمع مبني علي المؤسسات وسيادة القانون، وعلي السلام الاجتماعي والاستقرار وعلي احترام الأغلبية وحماية الأقلية، وعلي الحداثة والاعتدال، وعلي التفكير العقلاني والتسامح الإنساني، وعلي تداول السلطة، وعلي الشفافية والربط بين المسئولية والمحاسبة، وعلي العلم والتعليم المتميز، وعلي التخطيط السليم وحسن استخدام الموارد وتحديد الأسبقيات والقدرة علي التنافس من أجل تحقيق الطفرة الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، والتي يجب أن تصل نتائجها من إشباع الحاجات الأساسية «غذاء- إسكان- صحة- تعليم» لكل فرد من أفراد الشعب في أقرب وقت ممكن وبصفة خاصة للشريحة العريضة التي تعيش تحت خط الفقر وتعاني من الأمية.
لقد ركزت هنا علي أسبقية الإصلاح السياسي لأن قناعتي أن إصلاح النظام السياسي هو نقطة الانطلاق نحو إصلاح اقتصادي واجتماعي طال انتظاره وممكن تحقيقه- يعبر عن إرادة الشعب بمشاركة الشعب ولمصلحة الشعب.
إن مجتمعاً يقف فيه المصريون معاً كالبنيان المرصوص، رجالاً ونساءً، مسلمين وأقباطاً، أحراراً، مكرمين، قادرين، خلاقين هو مجتمع سيجعل مصر كما كانت مصدر فخر لشعبها وقاطرة دفع لعالمنا العربي واستقراره ومنارة حضارية ذات إسهام ملموس في تقدم الأسرة الإنسانية فخورين ليس فقط بماضينا ولكن أيضاً بحاضرنا ومستقبلنا.
أود أن أؤكد مرة أخري أن مسألة الإصلاح هي مصير وطن ومسئولية شعب وليست مصير حزب أو قرار فرد. وبهذه الرؤية فقد يكون من الخير لنا جميعاً أن نعلو فوق خلافاتنا وأن نبني معاً توافقاً وطنياً من خلال الاستجابة لمطالب الشعب المسموعة في كل مكان من ضرورة الإصلاح السياسي وما يتبعه من إصلاح اقتصادي واجتماعي، ومن خلال التفافنا حول الهدف الأكبر وهو الوصول إلي نظام سياسي ديمقراطي يشارك فيه الجميع بمختلف اتجاهاتهم وآرائهم.. الطريق أمامنا طويل وممتد ولكن ليس هناك مفر من أن نسلك دروبه معاً. هذا هو الطريق الوحيد نحو حياة كريمة آمنة.
المدون
مصر
محمد طلعت عبد العاطى
تبارك الله خالق الورد اللى بأحبه
ورد أحبه
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق