صفية النقراشي تروي لـ'الأسبوع': قصة مدرس الحساب الذي حوّل الإخوان المسلمين إلي جماعة محظورة - الإخوان قتلوا والدي وهددوا باختطافي أنا وشقيقي!
أجرت الحوار: آلاء حمزة
اليوم تحل الذكري الحادية والستون لاغتيال حسن البنا 'مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ومرشدها الأول'، الذي لقي مصرعه في الثاني عشر من فبراير 9491.. قبلها بشهرين تقريبا تم اغتيال محمود فهمي النقراشي 'رئيس وزراء مصر ووزير داخليتها' في ديوان عام الوزارة. العلاقة بين الحادثتين كانت قوية.. مباشرة.. معبرة عن مرحلة تداخل فيها الغموض مع اضطرابات سياسية واجتماعية، ولعب فيها الاحتلال الإنجليزي والقصر الملكي دور البطولة. أهمية هذا الحوار ليست في توقيته فقط، لكن لأنه يكشف حقائق جديدة 'عامة وخاصة' في..
شخصية 'النقراشي' الخلافية، وبعد سنوات تزيد علي نصف قرن من الصمت، أدلت ابنته 'صفية' بشهادتها لـ'الأسبوع' حول حادث مصرع والدها، صباح الثلاثاء 28 ديسمبر عام 1948، وهو الحادث الذي انقلبت بسببه الحياة السياسية في مصر رأسًا علي عقب، لأن الضحية كان الرجل الثاني في مصر بعد الملك. لا أنكر أن الأديب الراحل رجاء النقاش كان السبب الأول في إجراء هذا الحوار، بعدما نشر تليفون نجلة الزعيم الراحل في أحد كتبه، عقب تلقيه رسالة غاضبة منها ردا علي مقال كتبه عن والدها. ولفترة طويلة أرجأت السيدة صفية النقراشي الحوار، لكنها عندما تحدثت إلينا قالت كل شيء.. وإلي التفاصيل.
> كيف استقبلت الأسرة خبر الاغتيال؟
>> 'بدت ملامح الحزن العميق علي وجهها وفي نبرات صوتها' كان الخبر أشبه بالقنبلة. كنت في إجازة مدرسية جالسة مع والدتي في المنزل، وفجأة وجدت الباب يُفتح علي مصراعيه، ومجموعة كبيرة من الناس يحملون جثمان والدي علي نقالة، فأدركت أن كل شيء قد انتهي!
> كيف تعاملتم مع الحادث؟
>> كان الجو كئيبا وفظيعا، ثم صدرت تعليمات بأن نغادر المنزل وأن نقيم عند أختي في منزلها بالزمالك.
> لماذا؟
>> خوفا علينا من الزحام والتهديدات.
> أي تهديدات؟
>> وقتها هدد الإخوان باختطافي أنا وشقيقي "هاني"، وكانت تصلنا خطابات مستمرة علي المنزل بهذا المضمون، لدرجة أنه تم منعنا من الذهاب إلي المدرسة لمدة عام كامل.
> ومن أدراكم أن هذه الخطابات كانت من الإخوان؟
>> ابحث دائما عن المستفيد، فالتهديدات كانت تأتينا أثناء محاكمة القاتل، الذي هو عضو في جماعة الإخوان وكانت تطالب بالإفراج عنه.
> وكيف تعاملتم مع هذه التهديدات؟
>> كانت والدتي ترسل هذه الخطابات إلي وزارة الداخلية، حتي تحمينا.
> ماذا عن الرواية الأصلية لتنفيذ عملية الاغتيال؟
>> دخل شخص برتبة ملازم أول إلي بهو وزارة الداخلية، وأدي له حراس الوزارة التحية العسكرية، وعندما علم الضابط المزيف 'عبد المجيد حسن، الطالب بكلية الطب البيطري' بوصول "النقراشي" باشا أطلق عليه ثلاث رصاصات بالقرب من باب أسانسير الوزارة، وعرفنا فيما بعد أن رواد المقهي المجاور للوزارة كانوا يعرفون الضابط المزيف باسم "حسني" أفندي، وأنه تلقي مكالمة تليفونية قبل الجريمة بعشرين دقيقة من شخص مجهول أخبره بخط سير "النقراشي".
> ألم يكن الوالد يتحسب للحوادث التي سبقت اغتياله 'اغتيال أحمد باشا ماهر.. مقتل القاضي أحمد الخازندار، وسليم زكي حكمدار القاهرة.. ومحاولة نسف محكمة استئناف القاهرة' والتي اُتهم فيها الإخوان المسلمون؟
>> هذه الحوادث هي التي دفعت والدي إلي اتخاذ قرار بحل الجماعة، وبحسب ما عرفت منه فقد كان يعرف نتائج وخطورة هذه الخطوة، لكنه اتخذها بلا تردد بعد فشل إنذاراته المتواصلة للجماعة بضرورة التخلي عن العمل السياسي.
> لكن الجماعة تبرأت من هذه الحوادث، وحمّلوها لعبد الرحمن السندي 'المشرف علي الجهاز الخاص للجماعة'.
>> 'باستغراب ولهجة استفهامية تهكمية' هو "السندي" وصل به الأمر إلي أن يناوئ حسن البنا؟!..... هذا لا يعقل!
> لكن بعد اغتيال 'النقراشي' أصدر 'البنا' بيانا بعنوان 'ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين' يستنكر فيه الحادث، ونقل عنه الدكتور يوسف القرضاوي في مذكراته أن الجماعة لا تتحمل وزر هذا الحادث لأنها غير موجودة بحكم القانون!!
>> طبعا هذا الكلام لا ينطلي علي أحد، والبيان الذي أصدره "البنا" كان سببا في إدلاء القاتل باعترافات تفصيلية بعد فترة طويلة رفض فيها الكلام، ومن بين الاعترافات التي أدلي بها أنه التقي 'البنا' قبل الحادث.
> هل كان قرار 'النقراشي' بحل جمعية الإخوان هو السبب الوحيد وراء مصرعه؟
>> بديهي أن يكون هو السبب الرئيسي.
> اعترف القاتل أمام مدير المباحث الجنائية بأن النقراشي يستحق الإعدام لأنه أصدر قرارا بحل جمعية الإخوان المسلمين، وهي جمعية دينية من يحلها يهدم الدين.
>> هذه الجملة المتطرفة تدل علي التعاليم التي كان يتلقاها القاتل في صفوف الإخوان، ودعيني أؤكد أن التدين كان مسألة بديهية راسخة في الأسر المصرية، بدون مزايدات أو ظواهر كاذبة مثلما يحدث الآن.
> علي ذكر هذا الملف.. هل كان للوالد قراءات دينية؟
>> طبعا، وقد حرص علي أن يحضر لي الأستاذ عبد الرحمن عمار 'من أعضاء الحزب السعدي' حتي يدرس لي مادة الدين في المنزل، لأنها لم تكن ضمن المناهج المقررة في المدرسة.
> مؤرخو الإخوان المسلمين هاجموا النقراشي بشدة، ووصفوا فترة وجوده في الحكم بـ'المحنة الكبري'، ولم ينسوا للرجل أنه أول من ساهم في تحويلهم إلي جماعة محظورة.
>> هذه جماعة إجرام!
> أليس هذا حكما قاسيا؟
>> انظري للاتهامات التي وُجهت للتنظيم في تلك الفترة حتي تعرفي الحقيقة.
> يقول المؤرخ عبد الرحمن الرافعي إن القاتل كان مدرجا علي قائمة الاعتقالات، لكن النقراشي باشا رفض اعتقاله وقال: إنني والد وأقدر أثر هذه الاعتقالات في نفوس الآباء والأمهات.
>> سمعت بذلك، وليس لديّ تفسير لحالة النكران التي وصل إليها هذا الشاب سوي أنه وقع ضحية لعملية غسيل مخ من الإخوان فهو يعلم أنه ذاهب بلا رجعة.
> كيف؟
>> بحسب ما عرفنا في ذلك الوقت فقد كان هناك شخص آخر مكلف بتصفية قاتل والدي بعد تنفيذ جريمته، حتي يختفي الدليل علي مسئولية الإخوان.
> رواد المقهي المجاور لوزارة الداخلية اعترفوا بأن القاتل تلقي مكالمة تليفونية قبل الجريمة بعشرين دقيقة من مجهول أخبره بأن 'النقراشي' باشا في طريقه إلي مكتبه، تري من هذا المجهول؟
>> ربطت والدتي بين اغتيال والدي والدور السياسي الذي ظل يلعبه لعقود ضمن قيادات الحركة الوطنية المصرية، واعتقدت في بداية الأمر أن الإنجليز هم الذين نفذوا الجريمة، خاصة في ظل نظرات التشفي التي بدت في عيون من جاءوا من السفارة البريطانية لتقديم واجب العزاء، لكننا تأكدنا فيما بعد، من واقع اعترافات القاتل أنهم الإخوان، ولم نستغرب في ظل تلاقي المصالح وما يقال عن دور لعبه الإنجليز في نشأة وتمويل الجماعة.
> كيف تفسرون عداء الإخوان لـ'النقراشي' ووصفهم له قبل الاغتيال بـ'أبو جهل'؟
>> وصل بهم العداء لدرجة أنهم قتلوه.
> اتهم في القضية الشيخ سيد سابق....
>> تقصدين مفتي الدماء....
> بغض النظر عن المسميات اتهم 'سابق' بأنه من أفتي بعملية اغتيال النقراشي، فكيف تمت تبرئته فيما بعد؟
>> بعد قيام الثورة تم الإفراج عن المحكوم عليهم في قضيتي مقتل 'الخازندار' و'النقراشي باشا'!
> الجهاز الخاص للإخوان هل كان مسئولا عن حماية الدعوة أم أن له مهام أخري؟
>> هو باختصار جهاز إرهابي، مهمته التمهيد حتي تصل الجماعة للحكم، وأنا في هذه النقطة تحديدا لا أستطيع أن أكون محايدة خاصة في ظل المسئولية الجنائية لهذا الجهاز عن قتل والدي.
> بعد شهرين تقريبا من اغتيال النقراشي باشا تم اغتيال "البنا".. من قتله؟
>> لا أعرف
> لكن يقال إن قاتل 'البنا' 'الأمباشي أحمد حسين جاد' اعترف للمقربين منه بعد عودته إلي مسقط رأسه في سوهاج أن زوجة النقراشي أعطته مسدس زوجها ومنحته 400 جنيه وقطعتين من الصوف حتي ينفذ عملية الاغتيال.
>> هذه شائعة لا نعرف من أطلقها.. ولم يحدث إطلاقا أن التقت والدتي هذا الشخص أو غيره، حيث كانت سيدة 'في حالها' ولا تحب السياسة مطلقا.
> ماذا كان إحساسكم كعائلة بعد مصرع 'البنا'؟
>> لم تكن هناك مشاعر من أي نوع تجاه هذا الحادث، ولم يطرح هذا الملف للنقاش داخل الأسرة، غير أنني أؤكد أننا لا نحب أذية أي شخص.
> في نظركم هل يعتبر 'البنا' شهيداً أم قتيلاً للسياسة؟
>> هذا أمر علمه عند الله، والجميع يعرفون مصيرهم في الآخرة.
> ولو قلنا: هل النقراشي شهيد أم ضحية لمعارك السياسة؟
>> المفروض أنه لقي مصرعه أثناء تأدية عمله، وأتذكر أن الصحف أطلقت عليه بعد الحادث وصف 'شهيد الواجب'.
> قال الأستاذ محمد حسنين هيكل في الحلقات التي تبثها قناة الجزيرة: إن قاتل النقراشي كان ضحية مثل النقراشي باشا تماما نتيجة الشحن التنظيمي الذي تعرض له قبل ارتكاب الجريمة.
>> طبعا، لأنه وقع تحت تأثير التعاليم التي تلقاها داخل الجماعة.. والأستاذ 'هيكل قال بموضوعية في برنامجه 'تجربة حياة' إنه بالإطلاع علي وثائق كثيرة، تبين له أن النقراشي باشا لعب دورا وطنيا كبيرا لم يعرف به أحد.
المواقف
> ليس الأستاذ 'هيكل' وحده، لكن مؤرخين قالوا إن عبد الرحمن فهمي وأحمد ماهر والنقراشي، كانوا العقل المنظم وقادة الجهاز السري لثورة 1919.. فهل هناك رابط بين هذا الدور ونجاح عملية اغتيال النقراشي؟
>> أعتقد أن هناك تلاقي مصالح بين منفذي الاغتيال والاحتلال الانجليزي، في ظل دعوته لتحرير الاقتصاد المصري من التبعية الأجنبية وتمصير المؤسسات وفي عهده صارت مصر عضوًا في الأمم المتحدة، ولا يمكن لأحد أن يتناسي مطالبته 'أمام مجلس الأمن عام 1947' بضرورة انسحاب بريطانيا من مصر دون قيد أو شرط، ووصفه لهم بأنهم قراصنة.
> وماذا عن موقف الاحتلال من سياسة النقراشي قبل اغتياله؟
>> وصفته الوثائق البريطانية بأنه كان متطرفا في وطنيته، وعنيدا وغير متعاون، وقالت عنه صحيفة 'التايمز' البريطانية إنه يمثل الجناح اليساري المتطرف في حزب الوفد، كما أن السفير البريطاني قال عنه إنه يخفي وراء أسلوبه الناعم الخلاب رغبة في التخلص من كل موظف إنجليزي في الحكومة المصرية.
> قال 'الرافعي' إن 'النقراشي' كان شخصا وطنيا نزيها ونظيف الذمة المالية، وذكر الطبيب الذي عاين جثته أنه وجد في جيبه ثلاثة جنيهات قيل فيما بعد إنها آخر ما تبقي من راتبه.
>> لم يكن والدي بمفرده الذي يمتاز بهذه الصفات، بل إن معظم مجموعة العمل الوطني المحيطة به كانت علي نفس الدرجة من الشفافية، وأتذكر أنه طلب من مكرم عبيد 'وزير المالية في حكومة النحاس' استقطاع مبلغ خمسة جنيهات من راتبه للمساهمة في المجهود الحربي أثناء حرب فلسطين، وهذه الحكاية تسجلها وثائق تلك الفترة.. ورغم أن والدي من طبقة متوسطة فإنه لم يكن راغبا في الثراء، ولم يلهث وراء المناصب...
> لهذه الدرجة....؟
>> وأكثر، فحين تفجرت الخلافات بين والدي و"النحاس" باشا وأرادوا أن يخرجوه من الوفد، عرضوا عليه عضوية مجلس إدارة شركة قناة السويس، التي كانت تعني تحوله من طبقة متوسطة إلي شخصية بالغة الثراء، وذللوا له العقبات حتي يوافق علي العرض، حيث لم يكن يملك أسهما في الشركة التي كانت لوائحها تفرض فيمن يتولي عضوية المجلس أن يكون من المساهمين...لكنه في النهاية رفض العرض واعتبره رشوة.
> يري مؤرخون لاحقون مثل الدكتور عبد العظيم رمضان أن 'النقراشي' تواطأ مع العرش بانشقاقه عن حزب الوفد؟
>> 'في هذه اللحظة يتدخل الدكتور شامل أباظة، وهو مؤرخ ومفكر سياسي، زوج السيدة صفية في الحوار قائلا:' عبد العظيم رمضان مجرد 'كمساري،' وقد رددت علي الوقائع التي كان ينشرها قبل وفاته في صحيفة الوفد، وإذا أردنا الوقوف علي حقيقة ما حدث في تلك الفترة فهناك كتابات مؤرخين معروفين بالصدق علي رأسهم الدكتور يونان لبيب.
> لكن البعض يتهمه بالمساهمة في انشقاق الحركة الوطنية بعد خروجه مع أحمد باشا ماهر من حزب الوفـد عام 1938.
>> 'تقول صفية النقراشي:' ملابسات خروجه مقارنة بما يحدث الآن شيء مضحك. أولا هم الذين أخرجوه من الحزب، بعد الخلافات السياسية التي حدثت بينه وبين قادة الوفد، حيث اعترض النقراشي علي قيام 'النحاس' باستبعاد الوزراء الذين كانت لهم مواقف مناوئة له من تشكيل حكومته الجديدة، كما اعترض علي الدور الذي لعبته ميليشيا 'القمصان الزرق' التي شكلها 'النحاس' من شباب الوفد لقمع المعارضين له، أما السبب المباشر لخروجه من الحزب فكان الاعتراض علي قرار إرساء مشروع تعلية سد أسوان علي شركة إنجليزية بالأمر المباشر، وخلافات أخري.
> مثل؟
>> تؤكد المراسلات بين السفارة البريطانية في القاهرة والخارجية البريطانية في لندن أن قيادات وفدية كبيرة كانت غير راغبة في استمرار 'النقراشي' داخل المنظومة القيادية للحزب، وفي إحدي هذه المراسلات يقول السفير: إن خروج النقراشي واحمد ماهر من الحكم يعني سيطرة المحسوبية علي الحكومة، في ظل خبرتهما في الشئون العامة وضبط الأوضاع في حزب الوفد.
> لكن كيف كان النقراشي يري خصومه السياسيين؟
>> لم يكن يسمح مطلقا بأن يتم انتقاد أي من خصومه، وهو أمر كنا نستشعره في حواراته العائلية في المنزل.
> ربط البعض بين انشقاق 'النقراشي' عن حزب الوفد وتوليه عدة وزارات منها الداخلية والمعارف والخارجية والمالية ثم رئاسة الوزارة مرتين.
>> إطلاقا، لكن كراهية الملك التاريخية للوفد جعلته يري في والدي بعد خروجه من الوفد صديقا، بمنطق 'عدو عدوي صديقي'.
> يأخذ البعض علي 'النقراشي' موافقته المطلقة للملك فاروق وقبوله خوض حرب فلسطين دون استعداد كافٍ.
>> لم يكن موافقا علي دخول الحرب لأن استعداد الجيش لم يكن كافيا، لكن الملك بصفته القائد الأعلي أعلن القرار، ولم يكن أي شخص يستطيع الوقوف في مواجهة التيار الشعبي الراغب في نصرة الفلسطينيين، ثم إن كثيرا من الضباط مثل البطل احمد عبد العزيز تقدموا بإجازات للمشاركة في المقاومة الشعبية، ولم يكن هناك بديل سوي دخول المعركة، لاسيما أن 'النقراشي' بحكم أنه رجل دولة لم يكن أمامه سوي الموافقة، حتي لا يقال إن رئيس وزراء مصر يشكك في قدرة جيش بلاده.
> وماذا عن دوره في حادثة كوبري عباس 'فبراير 1946'؟
>> لم يكن من النوع الذي يفعل ذلك، وقد لعب مكرم عبيد دورا سلبيا في هذا الملف، وما حدث طبقا لأوراق التحقيقات التي قامت بها وزارة الداخلية أن خروج الطلبة لم يكن تلقائيا، لكنها كانت مظاهرة تم الإعداد لها بين الأحزاب، وبحسب ما عرفنا فإن الكوبري كان مغلقا أمام المشاة تمهيدا لعبور المراكب، فقام بعض الطلبة بإرغام مهندس الكوبري علي فتحه، وبعدها حدث اشتباك بين المتظاهرين مع قوات البوليس، أصيب فيها نحو 89 من الطلبة والأهالي و31 من البوليس، ونتائج التعامل العنيف من البوليس يتحملها 'راسل باشا' 'حكمدار القاهرة'، ورغم أن شهادة المؤرخين أكدت أنه لم يقتل أحد، فإنها تحولت إلي فرصة للدعاية السياسية ضد النقراشي.
> ممن؟
>> كان والدي يُحارب من النحاس والوفد ومن الإنجليز والإخوان المسلمين ومن الحزب الوطني 'القديم'، لذا كان هذا الملف فرصة للدعاية السوداء ضده ومحاولة للنيل من مكانته ودوره السياسي.
> إلي أي مدي نجحت عملية التشويه؟
>> يكفي أنها مستمرة حتي الآن.
الوجه الآخر
> حدثينا عن النقراشي الأب.
>> كان بالنسبة لنا كل شيء، وطالما هو في المنزل كان يملأ الجو بهجة، وعلي قدر ما عرف عنه من شدة وصرامة فقد كنا نراه في المنزل شخصا آخر، وليس أدل علي اهتمامه من أنه كان يحتفظ بدفتر صغير يسجل فيه ملاحظات حول أحوالنا التعليمية والصحية.
> علي ذكر التعليم الذي كان عمله الأول قبل الانخراط في العمل السياسي، كيف كان يتابع دراستكم؟
>> وقت الاغتيال كان عمري 12 عاما لكن تأثيره في شخصيتي وكذلك شقيقي 'هاني"' كان كبيرا، وكانت هناك رغبة قوية من والدي في أن يدخل شقيقي 'هاني' مدرسة عربي، ودخلت أنا المدرسة الأمريكية، وكان يتابع دروسنا ويشرح لنا المسائل الحسابية، لأنه مدرس حساب في الأساس.
> لماذا تزوج دولة الباشا بعد تخطيه الأربعين 'في السادسة والأربعين'؟
>> ظروف عمله هي التي فرضت عليه ذلك فقد انشغل بالعمل السياسي، خاصة دوره المحوري إلي جانب سعد باشا زغلول، والتطورات السياسية فيما بعد شغلته لسنوات عن الزواج.
> وماذا عن ملابسات الزواج؟
>> حقيقة 'كما عرفت فيما بعد' أنه لم يكن يفكر في الزواج، لكن 'صفية هانم زغلول' 'أم المصريين' هي التي كانت السبب في إتمام هذه الزيجة 'عام 1934' عندما اختارت له ابنة عمها، التي سبق لها الزواج وتوفي زوجها بمرض السرطان تاركا لها أربعة من الأولاد.
> كيف بدأت علاقة سعد زغلول بـ'النقراشي'؟
>> عندما كان سعد زغلول وزيرا للمعارف وفي إحدي المرات كان يمر علي مدارس الإسكندرية فلفتت شخصية والدي نظره، فرشحه لبعثة تعليمية إلي لندن وبعد عودته استمرت العلاقة بينهما.
> وإلي أي حد كانت علاقة النقراشي بالأسرة المالكة؟
>> كان الملك فاروق يعتقد أن النقراشي قريب منه، هكذا قال لنا إبراهيم باشا عبد الهادي، حيث كان لدي الملك قناعة هي أن النقراشي حلف يمين الولاء 'عند تعيينه رئيسا للوزراء' وانه شخص لا يكذب ولا ينقض عهده. لكنه في المقابل كان يشتكي منه بسبب انتقاداته لسهراته، لذا قال الملك لإبراهيم عبد الهادي: نبه النقراشي إلي أنه رئيس وزرائي وليس ناظر مدرسة.
> وماذا عن علاقتكم بالأنظمة اللاحقة بعد الثورة وحتي الآن؟
>> لم تكن هناك أي علاقة.
المدون
مصر
محمد طلعت عبد العاطى
تبارك الله خالق الورد اللى بأحبه
ورد أحبه
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق